9- البرنامج المفضل
في الحرب العالمية الثانية لجأت محطة الإذاعة البريطانية الى وسيلة غاية في الدهاء و التستر ,فقد خصصت برنامج موجه الى الشعب الألماني بالغة الألمانية مدة إرساله اليومي ساعتين , و تعمدت أن تكون المواد المقدمة في هذا البرنامج من التي يفضل الشعب الألماني سماعها دون ملل , مثل الأغاني الشعبية و التمثيليات الكلاسيكية و برامج الترفيه الخفيفه.....إلخ , وكان مقدم البرامج يذيع أسماء مواطنين بريطانيين على أنهم من عشاق هذه المواد الألمانية و أنهم يلحون في طلب سماعها حتى يتصور الألمان أن الشعب الإنجليزي لا يضمر كراهية لهم بدليل أنه يحب فنونهم.
وحرصت الإذاعة البريطانية خلال هذا البرنامج ألا تقحم أية مواد سياسية أو إخبارية , بل تكتفي بإجراء حوار سريع لمدة دقيقة مرة واحدة و أحياناً مرتين أثناء تقديم البرنامج مع مستمع إنجليزي تسأله رأيه في هذه الفقرة, فيبدي إعجابه الشديد من حيث التأليف و الموضوع و الأداء , و يتمنى في النهاية أن تنتهي الحرب ليسافر إلى ألمانيا و يستمتع هناك بأوجه النشاط الفني المختلفة
و الأفراد لديهم ميل للتعاطف و التجاذب مع من يتبادل معهم نفس و جهات النظر , نفس الميول و الهوايات , نفس الإنفعالات و الأحاسيس .
و أدركت محطة الإذاعة البريطانية هذه الحقيقة , و لم تشأ أن تلجأ الى اساليب معروفة من الحرب النفسية , كان من براعتها و مهارتها أنها لم توجه دعاية على وجه الإطلاق .
وقد أجرت الإذاعة البريطانية دراسة علمية لنَفسية الشعب الألماني فدرست طريقة التفكير والآراء و الإنفعال و الميول و الهوايات و جوانب النبذ و الكره , و إستغلت ذلك كله في إذاعة كل ما ينجذب إليه هؤلاء الأفراد , ولم تكتف بذلك بل أذاعت هذه الأشياء و كأنها قد طلبت من أفراد إنجليز و تستطلع رأيهم فيها , و كأنها تريد أن تقول لهم ، أننا أخوة لكم لنا نفس الأحاسيس و المشاعر و يجذبنا و يستهوينا كل ما يتفق مع ميولكم و أهوائكم ,
وفي هذا إستنتاج ضمني أننا بطبيعة الحال لا نضمر الشر لكم ولا نريد لكم إلا ما يريده الأخ لأخيه , ذلك إستنتاج ضمني غير صريح ولو ذكرته الإذاعة البريطانية صراحة لكان ضعيف الأثر قليل الجدوى و إنما تركت الألمان ليصلو إلى هذه الحقيقة بأنفسهم .