و يحدثنا التاريخ المصري القديم عن استخدام الحرب النفسية أيام تحتمس الثالث و رمسيس الثاني في حروبهما, كما يخبرنا بها أيضا التاريخ الإسلامي فقد استخدمها الرسول محمد عليه الصلاة والسلام في غزواته، و في القرون الوسطى إستخدم جنكيز خان أشد أساليب الحرب النفسية فتكاً
و بالرغم من أن الحرب النفسية عرفت منذ القدم إلا أن أصولها من الناحيتين العلمية و الفنية لم تتضح إلا إبان الحرب العالمية الأولى خاصة بعد ظهور علم النفس و بدء تطبيق هذا العلم بأبحاثه المنهجيه في مضمار حياتنا , و خلال الحرب العالمية الثانية أستخدمت أساليب الحرب النفسية على أوسع نطاق , و أنشأت الدول المتحاربة هيئات إستراتيجية و تكنيكية للقيام بتوجيه الحرب النفسية في مختلف الميادين.
و أصبحت الحرب النفسية في العصر الحديث أحد ميادين الصراع بين الدول الى جانب الميادين العسكرية و السياسية و الإقتصادية , و إتسع نطاق إستخدامها بشكل لم يسبق له مثيل .
ولو تعمقنا في الدوافع الحقيقية لهذا الإهتمام بالحرب النفسية لوجدنا أن الأمر سيكون أعظم فعالية و أكثر إقتصاداً إذا تم نزع سلاح العدو بلاً من محاولة تدميره بالقتال العنيف , إذ ان قتل رجل في أدنى مستويات الحرب يعني فقدان جندي واحد من العدو, بينما إفقاد رجل لاعصابه يعني نشر عدو الخوف بدرجة كبيرة قد تتحول إلى وباء من الذعر كما أن التأثير التأثير الذي يتصلت على قائد الخصم قد يشل مقدرة قواته كلها على القتال لأنه بينما تتمثل القوة الإعتبارية لاي دولة في تعداد سكانها و حجم مواردها فإن تطور هذه القوة يعتمد على سلامة حالتها الداخلية و جهازها العصبي و روحها المعنوية ، فإذا تم إتباع الوسائل التي تحقق إخلال توازن الأعضاء الأعضاء سيكولوجياً سيتم حتماً إنهيارها .
فالتأثير السيكولوجي يمكن أن يتدخل في الإرادة و العزم و التصميم فيجعل الشخص واهن القوى قليل الجهد ضعيف التصميم, و يمكن أن يتدخل في الإدراك فيجعل الشخص يدرك إدراكاً مشوهاً يرى أشياءً لا وجود لها إلا في الخيال, بل و يتعامى عن إدراك أشياء موجودة بالفعل, ويمكن أن يتدخل في التفكير السليم بل قد يجعله عاجز عن التفكير تماماً .
و الحرب النفسية حرب شاملة , بمعنى انه لا يمكن أن تنصب فقط على القوات المسلحة في الدولة ، بل تمتد و تشمل جميع أفرد الشعب مدنيين و عسكريين .. كما انها حرب متصلة و مستمرة في زمن الحرب و السلم على السواء , و تتغلغل في جميع شئون الدولة و مرافقتها سواء السياسية أو الإقتصادية أو الإجتماعية أو التربوية, بمعنى أن التمهيد السيكولوجي غير محدد لفترة معينة بل هو عمل مستمر متصل و مسرحها نفسية الفرد, لذلك فهي لا تبدأ من فراغ , بل تحتاج إلى ركائز من الدراسات المختلفة للشعب الذي ستوجه إليه ,طريقة التفكير و الآراء والإنفعالات و الميول و الهوايات و جوانب النبذ و الكره , و ما يطرأ على نفسية الأفرد من مخاوف و ما يتردد على ألسنة بعضهم من أقوال , و نقط الضعف فيهم , و جوانب النقص التي يشعرون بها , و الأحوال المعيشية لهم من حيث درجة التعليم و من حيث الأفراد المؤثرين بشخصياتهم في آراء الأغلبية .
و الحرب النفسية هي معلومات أو أفكار أو مذاهب أو نداءات خاصة .تنشر أو توزع لتؤثر في آراء و معتقدات و إنفعالات و إتجاهات و سلوك فرد أو جماعة أو شعب بأكمله دون إستعمال العنف لكي يستفيد الجانب الذي يوجهها بشكل مباشر أو غير مباشر.
و الحرب النفسية لا شأن لها و لا علاقة بالتنويم أو ما يشابهه من أعمال غيبية , و هي ليس إستعمالاً لسلاح سري كما أنها لا تعتمد على أسلحة مادية , فهي تلعب دورها أمام الجميع , و وسائلها هي الدعاية و الأخبار الكاذبة و الشائعات و الفكاهات , و تنقل من خلال و سائل معروفة هي الأذاعة و المطبوعات المختلفة من صحف و كتيبات و نشرات و الأفلام السينمائية و التلفزيونية و حملات الاشاعة المدبرة .