2- الرعب قبل الحرب
كان جنكيز خان يستخدم جواسيس عدوه كوسيلة لإرهاب جنود العدو أنفسهم , فما أن يقع واحد من هؤلاء الجواسيس في أيدي رجاله حتى يعرض عليه صورة مذهلة لقوة جيشه من حيث العدد و العدة و الشراسة في الحرب ثم يطلق سراحه يعد ذلك ليعود الى بلده فيروي لقادته بنفسه وكان كل جاسوس يذيع عند عودته ما يشبه البيان الرسمي الذي يلقنه إياه رجال جنكيز خان , فيقول هذا النص المروي في كل كتب التاريخ :
((إن رجال جنكيز خان كاملوا الرجولة و الشجاعة , لهم مظهر المصارعين لا يستنشقون إلا رائحة الحرب و الدماء و يظهرون تشوقاً الى القتال , و يصعب على قادتهم السيطرة عليهم . و مع هذه الوحشية فأنهم يجيدون الضبط و النظام و يطيعون قادتهم طاعة عمياء , ويقنعون بما يصل إليهم من الطعام , و ليس من المدهش أن يفضلوا الوحوش ليأكلوها .أما عن عدد هذه القوات فإنه من المستحيل حصرها أو إحصائها )).
ثم يختتم الجواسيس كلماتهم بقولهم (( و كل جندي في جيش عدونا جنكيز خان يدين بالولاء لأميرهم إلى آخر حدود الولاء)).
وقد إستطاع جنكيز خان بهذه الوسيلة أن يضعف مسبقاً معنويات كثير من الجيوش التي دخل معها في حروب مسلحة .
ولمّا كانت الدعاية التي تأتي من الخارج تلقى بطبيعتها مقاومة من أفراد الجماعة , فإن الدعاية التي تتردد من أفواه الشعب نفسه أو الشائعات التي يروجها لا بد و أن تقل المقاومة لها مهما تضمنت من مغالطات و مفارقات .
وفي هذه القصة جعل جنكيز خان الدعاة من نفس جنود العدو الذي أخضعهم لتأثير دعايته , و بعد ذلك يجعلهم يقومون بالترويج لمشاهداتهم بما فيها من تهويل بين أفراد شعبهم .
ولو كان جنكيز خان يلقن جواسيس أعدائه البيان دون ان يعرض عليهم نماذج حية عن شراسة الجند , و عينات مما يدل على قوتهم لما سهل عليهم إمتصاص هذه الدعاية , و لما سهل عليهم ترديدها , و من ناحية أخرى لو لم تأت هذه الدعاية من نفس جنود أعداء جنكيز خان لاكتشفوا ما بها من مغالطات واضحة يمكن إكتشافها بقدر ضئيل من التفكير فبينما يقول النص أنه من النادر أن يستطيع القادة السيطرة على جنودهم , إذا به يقول انهم يجيدون الضبط و النظام , و بينما يذكر أنهم يقنعون بما يصل إليهم من طعام فإذا به يذكر انهم يفضلون أكل الوحوش .
ولكن الجواسيس كانو يتكلمون عن ثقة وكان زملائهم متأكدون أنهم لا يضللونهم ولا يضيفون شيئاً من خيالهم و أنهم إنما يصفون الواقع .