-الـفـراش وثــيــر
بعد أن تحقق النصر المؤكد للمسلمين في غزوة بدر الكبرى , ثارت كوامن الحقد الأسود و الفزع و الجنون في نفوس يهود المدينة ,فأرادو أن يشوهوا صورة القائد المثالي في نظر أتباعه , وكان أن أطلق ((عبد الله بن أبي سلول )) مجموعة من المنافقين تشيع بين المسلمين أن محمداً يأمر غيره بلإعراض عن متاع الدنيا بينما ينفق هو أموال المسلمين على طعامه وشرابه وأثاث بيته , فقد إتخذ لنفسه أثاثاً فاخراً كالذي يتخذه كسرى .
وقبل أن يطلق إبن أبي سلول هذه الإشاعة سارع فدس الى إمرأة من الأنصار فراشاً وثيراً ثميناً حملته الى أم المؤمنين عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم , و حين عاد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بيت عائشة و وجدها مسترخية على هذا الفراش الوثير الجديد سألها صلى الله عليه وسلم في غضب
((ما هذا يا عائشة))
فقالت له (( إمراة من الأنصار دخلت فرأت فراشك فبعثت إليُّ بهذا ))
فأمرها صلى الله عليه وسلم بأن ترده في الحال إليها .
وكانت إشاعة المنافقين قد ملأت المدينة , و بدأ الهمس ينتقل على شفاه المئات ممن سمعوا تفاصيلها , و رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يذهب بنفسه ليتبين الصدق فيما يروج بين الناس فتوجه الى بيت النبي صلى الله عليه وسلم واخذ يتأمل كل ما فيه من طعام و متاع فلم يجد شيئاًجديداً قد أٌ ستحدث فيه و أبصر النبي صلى الله عليه وسلم يجلس على حصير خشن ففاض الدمع من عيني عمر رضي الله عنه . ولمّا سأله النبي صلى الله عليه وسلم عما يبكيه أجاب عمر
(( و ما لي لا أبكي و هذا الحصير قد أثر في جنبك , و هذه خزائنك لا أرى فيها الا ما أرى ))
وقص عمر ما يرجف به المنافقون في المدينة للنيل من مكانته صلى الله عليه وسلم في النفوس .
و التشكيك في الزعماء و القادة من الأساليب الأساسية في الحرب النفسية ذلك أن الزعيم أو القائد يعتبر رمزاً لقوة الجماعة و ممثل لها, فإذا إختلفت صورة هذا الرمز في عيون الأفراد ضاع حماسهم و ضعف ولائهم للجماعة و يتزعزع إيمانهم بالرسالة التي تهدف اليها الجماعة .
في هذه القصة نجد أن محاولة قد بذلت بعد أن إنتصرالمسلمون إنتصاراً ساحقاً في غزوة بدر و قد زاد هذا النصر بطبيعة الحال مركز النبي صلى الله عليه وسلم و الذي هو صلى الله عليه وسلم في نظر المسلمين رمزاً للرسالة و الدين الجديد , فقد كان هدف اليهود و المنافقين في ذلك الوقت هو تحطيم هذه الصورة المثالية التي اكتسبها قائد المسلمين و هوالنبي صلى الله عليه وسلم و قد أرادو تحقيق هذا الهدف عن طريق تشكيك المسلمين في نزاهته و إيمانه , و في كل ما يقول و ما يشير به على المسلمين , فقد كان يأمر المسلمين بالإعراض عن الدنيا ,و الإهتمام بأمور الآخرة , و قوة المسلمين نابعة من إيمانهم , و هذه البسالة في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم و في تعاليمه و أقواله , فإذا بدأ المسلمون يشكون في جدية النبي صلى الله عليه وسلم و في تعاليمه و أقواله و إرشاداته تزعزعت ثقتهم بالرسالة ثم بالإسلام , وبذلك يستطيع المنافقون تحطيم وحدة المسلمين و التفافهم حول شخصية النبي صلى الله عليه وسلم .
وفي تحطيم الوحدة ضالتهم المنشودة لأن فيها إضعاف المسلمين الناتجة عن وحدتهم و تماسكهم .
وهذا الأسلوب يلجأ إليه كثير من الجيوش المتحاربة , و كثيراً ما يستخدم وقت السلم
ولكن فطنة النبي صلى الله عليه وسلم جعلته يتغلب على هذا الاسلوب في الوقت المناسب , بل إن شخصيته المتكاملة و سلوكه المنطبق على أقواله و أخلاقه التي لا تتعارض مع ما ينصح به ,
كل ذلك جعله يرفض الفراش الناعم الوثير , وكان هذا الرفض فشلاً لإسلوب الحرب النفسية التي شنها أعداء النبي صلى الله عليه وسلم على المسلمين .